إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ
الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَشَرَحَ صُدُورَ
الْمُؤْمِنِينَ لِطَاعَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ يُتِمُّ الصَّالِحَاتِ بِنِعْمَتِهِ،
وَيُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ، وَيُجَازِي كُلَّ
عَبْدٍ بِنِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلِيقَتِهِ، قَامَ حَقَّ الْقِيَامِ بِأَدَاءِ
رِسَالَتِهِ، وَنَصَحَ فَأَخْلَصَ النُّصْحَ لأُمَّتِهِ، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ، الَّذِينَ دَعَوْا بِدَعْوَتِهِ
وَمَاتُوا عَلَى مِلَّتِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً مَا دَعَا
مُؤْمِنٌ بِطَهَارَةِ سَرِيرَتِهِ، وَسَأَلَ الْمَوْلَى حُسْنَ
خَاتِمَتِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا
اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ،
وَأَجْمَلُ مَا أَظْهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لِتَشْكُرُوهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ
بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الحديد:28].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّنَا
الْيَوْمَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ،
الَّذِي مَلأَ أَيَّامَنَا بَهْجَةً بِالصِّيَامِ، وَحَشَا لِيَالِيَنَا
نُوراً بِالْقِيَامِ، وَعَلَّمَنَا كَيْفَ نَصْبِرُ عَلَى ظَمَأِ
الْهَوَاجِرِ وَأَلَمِ الْجُوعِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ
مِنْ شَهْرٍ تَكَاثَرَتْ فَوَائِدُهُ، وَازْدَادَتْ عَوَائِدُهُ!، وَهَذِهِ
الْعَشْرُ الَّتِي تَوَسَّطْنَاهَا هِيَ خَاتِمَةُ الشَّهْرِ
وَزُبْدَتُهُ، وَمِسْكُهُ وَرَيْحَانَتُهُ، فَكَانَ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ
يَغْتَنِمَهُ، كَيْفَ لاَ وَقَدِ احْتَدَمَ الْعَدُّ وَاشْتَدَّ
السِّبَاقُ؟؛ فَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ r يَجْتَهِدُ فِيهَا مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ r يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ: أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَكَيْفَ
لاَ يُشَمِّرُ الْعَبْدُ وَيَجْتَهِدُ وَفِي صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا
تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ؟؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ
اللهِ r: «مَنْ
قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
وَهَا
هِيَ أَعْمَالُ الْبِرِّ قَدْ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهَا، وَنَفَحَاتُ
الْخَيْرِ قَدْ فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا، وَرَيَاحِينُ الْجَنَّةِ قَدْ
كَثُرَ خُطَّابُهَا، وَتَقَاطَرَ طُلاَّبُهَا، فَمَا بَيْنَ مُفَطِّرٍ
لِصَائِمٍ، وَمُعِينٍ لِقَائِمٍ، وَمُتَصَدِّقٍ عَلَى مَحْرُومٍ، وَآمِرٍ
بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهٍ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقَامِعٍ لِشَهْوَةٍ، وَدَافِعٍ
لِنَزْوَةٍ، وَوَاصِلٍ لِرَحِمٍ، وَعَافٍ عَنْ مُسِيءٍ، وَذَاكِرٍ
وَمُسْتَغْفِرٍ، وَقَارِئٍ مُتَدَبِّرٍ.. فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
خَيْراً فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الْخَيِّرَةِ وَاللَّيَالِي
الْمُبَارَكَةِ؛ فَإِنَّ الْحَيَاةَ فُرَصٌ فَاغْتَنِمُوهَا.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
وَلَمَّا
كَانَتِ الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، وَنَحْنُ الآنَ فِي خَاتِمَةِ
الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ؛ كَانَ لِزَاماً عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَسْعَى فِي
اغْتِنَامِ دَهْرِهِ، وَفَكَاكِ نَفْسِهِ، وَالرَّغْبَةِ فِي حُسْنِ
الْخَاتِمَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا، وَالْحَذَرِ مِنْ سُوئِهَا وَالْحِرْصِ
عَلَى النَّأْيِ عَنْهَا.
وَلِذَلِكَ
يَنْبَغِي لِلْكَيِّسِ الْفَطِنِ أَنْ يَحْرِصَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى
مَعْرِفَةِ مَا يُوَفِّقُ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، وَيُجَنِّبُ سُوءَهَا.
أَلاَ
وَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يُؤَدِّي إِلَى حُسْنِ الْخَوَاتِيمِ فِي
الأَعْمَالِ: صِدْقُ النِّيَّةِ وَنَقَاءُ الطَّوِيَّةِ، مَعَ حُسْنِ
الاِتِّبَاعِ وَتَرْكِ الاِبْتِدَاعِ؛ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَنْ
يُخَيِّبَ اللهُ سَعْيَهُ، وَلَنْ يُحْبِطَ عَمَلَهُ، قَالَ تَعَالَى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ( [الكهف:30] وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ t أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «إِنَّمَا
الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً
وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ،
وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ،
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ
صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ
فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ
اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ،
وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ،
وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ:
لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ
بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
وَمِنْ
عَلاَمَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ: الْمَوْتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ؛ فَعَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ
النَّبِيِّ r قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلاَّ أَبَا دَاوُدَ].
وَكَذَا
الْمَوْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي لَيْلَتِهَا أَوْ فِي نَهَارِهَا؛
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ
r قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ r عَنْ
فِئَامٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَكُونُ طَرِيقَةُ مَوْتِهِمْ عَلاَمَةً
عَلَى حُسْنِ خَوَاتِيمِ أَعْمَالِهِمْ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمْ: مَنْ
قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى؛ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «الشُّهَدَاءُ
سَبْعَةٌ، سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ،
وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ
شَهِيدٌ، وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ
شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ» [رَوَاهُ مَالِكٌ
وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلاَّ التِّرْمِذِيَّ]. وَذَاتُ
الْجَنْبِ: وَرَمٌ تَحْتَ الأَضْلاَعِ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ:
أَيْ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ.
أَسْأَلُ
اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُحْسِنَ خَوَاتِيمَنَا، وَيُصْلِحَ نِيَّاتِنَا
وَأَعْمَالَنَا، وَيُجِيرَنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ
الآخِرَةِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ،
وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ
للهِ الَّذِي جَعَلَ الأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ
إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ أَعَزَّ أَهْلَ الإِيمَانِ
بَدْءاً وَانْتِهَاءً بِهَذِهِ الشِّرْعَةِ وَتَعَالِيمِهَا، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بَشِيراً وَنَذِيراً،
وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا
اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا
رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ: يَزِدْكُمْ
مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.
عِبَادَ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ:
وَمِنْ عَلاَمَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ: الْمَوْتُ دِفَاعاً عَنِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ؛ فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «مَنْ
قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ
شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ
أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلاَّ ابْنَ مَاجَهْ مُخْتَصَراً].
قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ0 فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( [آل عمران 169-170].
كَمَا
أَنَّ مِنْ حُسْنِ خَاتِمَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُوَفَّقَ لِعَمَلٍ صَالِحٍ
طَيِّبٍ ثُمَّ يُقْبَضَ عَلَيْهِ، وَيُخْتَمَ لَهُ بِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ t قَالَ: أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ r إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: «مَنْ
قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا
دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ
لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ
وَجْهِ اللهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ]، وعَنْ أَنَسٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «لاَ
عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ، حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ
يُخْتَمُ لَهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ، أَوْ
بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، بِعَمَلٍ صَالِحٍ، لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ
الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً سَيِّئًا. وَإِنَّ
الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ، لَوْ
مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلاً
صَالِحًا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ
مَوْتِهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
عِبَادَ اللهِ:
وَإِذَا
كَانَتِ الْخَاتِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْعَاقِبَةُ الطَّيِّبَةُ يَرْغَبُ
فِيهَا كُلُّ عَاقِلٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلْيَرْغَبْ عَنْ خَاتِمَةِ
السُّوءِ وَعَاقِبَةِ الْخِذْلاَنِ؛ فَإِنَّهَا الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ،
وَالْمَصِيرُ الْمُهِينُ؛ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ t: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ r، فَنَظَرَ النَّبِيُّ r فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»
فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ
أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ
الْمَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ
مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ r مُسْرِعًا، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: قُلْتَ لِفُلاَنٍ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ»
وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ
أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ
فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ
الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» [رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَلَقَدْ بَكَى سُفْيَانُ الثَّورِيُّ -
رَحِمَهُ اللهُ - لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، فَقِيلَ لَهُ: أَكُلُّ هَذَا
خَوْفاً مِنَ الذُّنُوبِ؟! فَأَخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأَرِضِ فَقَالَ:
الذُّنُوبُ عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ هَذِهِ، وَإِنَّمَا أَبْكِي خَوْفاً مِنْ
سُوءِ الْخَاتِمَةِ.
وَأَعْظَمُ
خَاتِمَةٍ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ وَهُوَ يَنْطِقُ بِكَلِمَةِ
التَّوْحِيدِ، فَطُوبَى لِمَنْ خُتِمَتْ حَيَاتُهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ
الْعَظِيمَةِ الْكَرِيمَةِ؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
وَإِذَا
كَانَتِ الشَّهَادَةُ شَرَفاً وَكَرَامَةً، وَمَنْزِلَةً لأَِصْحَابِهَا
وَحُسْنَ خَاتِمَةٍ؛ فَإِنَّ هَذَا يُذَكِّرُنَا بِشُهَدَائِنَا الَّذِينَ
رَوَوْا بِدِمَائِهِمْ أَرْضَ الْكُوَيْتِ الْحَبِيبَةَ، وَضَحَّوا
بِأَرْوَاحِهِمْ دِفَاعاً عَنِ الأَرْضِ وَالْعِرْضِ وَالدِّينِ، فَجَادُوا
بِهَا رَخِيصَةً لأَِجْلِ ذَلِكَ إِبَّانَ الْعُدْوَانِ الْغَاشِمِ،
وَلَقَدْ ضَرَبَ أَهْلُ الْكُوَيْتِ الطَّيِّبُونَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ
فِي التَّلاَحُمِ وَالتَّكَاتُفِ، وَالْمَوَدَّةِ وَالتَّآلُفِ، فَكَانُوا
صَفّاً وَاحِداً – وَكَذَلِكَ هُمْ – وَيَداً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ
نَاوَأَهُمْ وَاحْتَلَّ دِيَارَهُمْ، وَمَا أَعْظَمَ اِلْتِفَافَ
الْكُوَيْتِيِّينَ حَوْلَ قِيَادَتِهِمْ!، وَمَا أَرْوَعَ حُبَّ الْقَادَةِ
لِشَعْبِهِمْ!، فَهَنِيئاً لِلشَّعْبِ بِقَادَتِهِ، وَلِلْقَادَةِ
بِشَعْبِهِمْ، وَتَحِيَّةً لأَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ الْعِظَامِ الَّذِينَ
بَذَلُوا دِمَاءَهُمْ لِيَهْنَأَ شَعْبُهُمْ، وَتَحِيَّةً لِلشَّعْبِ
الَّذِي أَحَبَّ قِيَادَتَهُ فَكَانَ مَعَهَا فِي الْمَغَانِمِ
وَالْمَغَارِمِ، وَتَحِيَّةً لِلْقِيَادَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ شَعْبِهَا
فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَتَحِيَّةً لِكُلِّ مَنْ سَانَدَ
الْكُوَيْتَ حُكُومَةً وَشَعْباً لاِنْتِزَاعِهَا مِنْ بَرَاثِنِ
الْمُعْتَدِينَ، وَإِعَادَتِهَا إِلَى أَهْلِهَا الطَّيِّبِينَ.
فَلْنَسْعَ
- أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأَحِبَّةُ - إِلَى إِحْسَانِ الْعَمَلِ، وَإِلَى
الصِّدْقِ فِي النِّيَّةِ وَإِصْلاَحِ السَّرِيرَةِ وَالطَّوِيَّةِ،
وَخَاصَّةً أَنَّنَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ خَاتِمَةِ الشَّهْرِ
الْكَرِيمِ الْمُبَارَكِ، وَلْنَحْرِصْ عَلَى فِعْلِ الصَّالِحَاتِ،
وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ، عَلَّ اللهَ -
تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُحْسِنَ خَاتِمَتَنَا، وَيُؤْنِسَ
وَحْشَتَنَا، وَيَرْفَعَ مَعَ الأَخْيَارِ دَرَجَتَنَا.
اللَّهُمَّ
إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ النِّيَّةِ وَصَلاَحَ الذُّرِّيَّةِ، وَنَعُوذُ
بِكَ مِنْ خُبْثِ الطَّوِيَّةِ وَالْعَاقِبَةِ الرَّدِيَّةِ؟ رَبَّنَا
وَوَفِّقْنَا لِصَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَاخْتِمْ لَنَا بِهِ،
وَاجْعَلْنَا مِنْ عُتَقَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ يَا رَحِيمُ يَا رَحْمَنُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ
عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ
أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ
لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا
الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي
كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَنَا وَشُهَدَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ
مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَنَا
وَشُهَدَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَنَا وَشُهَدَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ
مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ
وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ
وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهُمَّ
وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ
بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً
مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام
بتاريخ 24 من رمضان 1434هـ الموافق 2 / 8 / 2013م الكويت
0 تعليقات
أهلا وسهلا ومرحبا بك في موقع تغطية مباشر : ضع ردا يعبر عن اناقة أخلاقك ، سنرد على اي استفسار نراه يحتاج الى اجابة ، ادعمنا برأيك وضع تعليقا للتشجيع ..