خطبة الجمعة عن ليلة القدر مكانتها وفضلها وعظيم قيامها والخير فيها إنا أنزلناه في ليلة القدر
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه
وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى القائل في كتابه:( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
أيها المؤمنون: إن الله تبارك وتعالى خالق
كل شيء، وهو الواحد القهار، خلق السموات والأرض، والشمس والأقمار، والليل
والنهار، والإنس والجان، والنبات والحيوان، والزمان والمكان، ولقد فضل الله
تبارك وتعالى الإنسان على سائر المخلوقات، قال تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
وفضل الأنبياء والمرسلين على سائر الناس أجمعين، قال عز وجل( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس)
وفضل شهر رمضان على سائر الشهور والأيام، وخص منه ليلة القدر على سائر
الليالي والأزمان، فهي أكرم ليالي الدهر لما فيها من الفضائل والخيرات،
والرحمات والبركات، قال تعالى:( إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر) والقدر أي التقدير، فهي الليلة التي يقدر الله تعالى فيها الأمور والأحكام والأرزاق والآجال، قال سبحانه:( فيها يفرق كل أمر حكيم)
وهي ليلة ترفع فيها الدرجات وتتضاعف فيها الحسنات، قال تعالى:(ليلة القدر خير من ألف شهر) وذكر
المفسرون أن في هذه الآية بيان فضلها وعظمها، وفضيلة الزمان تكون بكثرة ما
يقع فيه من الفضائل، وفي ليلة القدر يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله
في ألف شهر، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فعن
مالك رحمه الله تعالى أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك. فكأنه
تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل، مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر،
فأعطاه الله ليلة القدر، خير من ألف شهر .
ولقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقومها بالمغفرة لما تقدم من ذنبه قال صلى الله عليه وسلم « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر الله له ما تقدم من ذنبه» وزاد الله تعالى في إعلاء شأنها فخصها بنزول الملائكة وشهادتها، قال سبحانه:(تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر)
قال ابن كثير: أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى»
فهنيئا لمن وفقه الله سبحانه لقيام ليلها والاجتهاد فيها.
أيها الصائمون: وليلة القدر هي ليلة السلام، قال تعالى:( سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال المفسرون: أي هي سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى.
فاجتهدوا في هذه الليالي وألزموا قلوبكم النقاء وحسن الظن
والطوية، فإن جلال ليلة القدر وعلو مكانتها يقتضي أن لا تنشغل القلوب
بالضغائن والتخاصم والتدابر، فمن كانت بينه وبين أخيه أو أحد من أرحامه
خصومة أو شحناء فليبادر إلى العفو والصلة، فإن معرفة موعد ليلة القدر قد
رفع بسبب خصومة بين اثنين من المسلمين، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
قال: خرج النبى صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من
المسلمين، فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة»
فاحرصوا عباد الله على إحياء ليلة القدر بالصلاة والذكر
وتلاوة القرآن واجتهدوا في الدعاء، فإن الله سبحانه قد أمر عباده بالدعاء
ووعدهم بالإجابة، فقال عز من قائل:( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقد ورد في الأثر أنه من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة، قال تعالى:( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وخير
ما تدعون به في ليلة القدر العفو والعافية، فعن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال:"تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
فاللهم عافنا واعف عنا، واجعلنا من أهل ليلة القدر، وآمنا في
أوطاننا، واجعل الخير صبا في ربوع بلادنا، واهدنا لعمل الصالحات، وأدخلنا
برحمتك الجنات، ووفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم
وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا
محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان
إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى،
واعلموا أن من الطاعات التي تقرب العبد من ربه عز وجل إنفاق الأموال في
أوجه البر والإحسان، وبتوجيهات سامية من صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله؛
أطلقت دولتنا المباركة حملة خيرية لدعم أشقائنا في مصر تحت عنوان (مصر في
قلوبنا) خصصت لمشاريع البنية التحتية، وتوفير الخدمات العامة في تلك البلاد
العزيزة، فبادروا عباد الله بالمشاركة في تلك الحملة التي تشرف عليها هيئة
الهلال الأحمر الإماراتي المعروفة بنشاطها المشهود في تلك المجالات،
واعلموا أن مما تكمل به عبادة الصيام إخراج زكاة الفطر، التي شرعها رسول
الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو
والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها
بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات.
ويخرج المسلم صدقة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته، وهي صاع
من غالب قوت البلد، ويقدر الصاع باثنين (2)كيلوجرام، يدفع إلى الفقراء
والمحتاجين، فعن ابن عمر رضى الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر
والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس
إلى الصلاة.
وقد أجاز بعض أهل العلم إخراج قيمتها نقدا، وقد حددت اللجنة
الشرعية القيمة بعشرين درهما، كما أجاز العلماء تعجيل زكاة الفطر قبل العيد
بيوم أو يومين.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال صلى الله عليه وسلم :« لا يرد القضاء إلا الدعاء ».
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر
الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم إنا نسألك الجنة وما
قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل،
اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب
إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم
إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا،
واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في
حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا
غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا
ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
0 تعليقات
أهلا وسهلا ومرحبا بك في موقع تغطية مباشر : ضع ردا يعبر عن اناقة أخلاقك ، سنرد على اي استفسار نراه يحتاج الى اجابة ، ادعمنا برأيك وضع تعليقا للتشجيع ..