ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

خطبة جمعة مكتوبة الْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ

الْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.  )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [ آل عمران: 102]،   )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
 أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – عَلَى الْبَشَرِيَّةِ أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّداً r بِالشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي مَا تَرَكَتْ بَاباً مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا؛ إِلاَّ وَجَاءَ فِيهَا بَيَانُهُ بَيَاناً وَاضِحاً صَرِيحاً، قَالَ تَعَالَى: )وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ([النحل:89] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: )اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ( [المائدة:3].كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى إِكْمَالِ الشَّرِيعَةِ أَنْ تَكُونَ شَمِلَتْ بِأَحْكَامِهَا جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَظَّمَتْ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ رَبِّهِمْ -جَلَّ وَعَلاَ-، كَمَا نَظَّمَتْ أَحْكَامَ مُعَامَلاَتِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ: فِي بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ، فِي مُعَامَلاَتِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ، وَبَيَّنَتْ أَحْكَامَ الْوِلاَيَةِ، وَمَا هِيَ حُقُوقُ الْوَالِي الَّتِي لَهُ وَالَّتِي عَلَيْهِ؟.
إِنَّ مِنَ الْمُنَاسِبِ فِي فَتَرَاتٍ مُتَلاَحِقَةٍ أَنْ نَسْتَذْكِرَ مَعاً الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يَسُوسَ الرَّعِيَّةَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَنْشُرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مِشْكَاتِهِمَا، وَيُزِيلَ مَا يُنَاقِضُهُ مِنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِمَا إِقَامَةً لِلْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَلاَ أَحْكَمَ وَلاَ أَعْدَلَ وَلاَ أَصْلَحَ لِلنَّاسِ مِنْ تَطْبِيقِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ؛ فَفِيهَا الْعَدْلُ وَالرَّحْمَةُ وَالشِّفَاءُ لِمَا فِي الصُّدُورِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلاَ )يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ( [يونس:57]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: )وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ( [المائدة:50] وَقَالَ تَعَالَى: )ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ( [الجاثية:18]، وَإِنَّ تَحْكِيمَ شَرْعِ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَسْعَى الرَّاعِي لِتَحْقِيقِهَا وَتَطْبِيقِهَا بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: )فَلاَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( [النساء:65].
وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( [يوسف:40] فَهَذِهِ كَانَتْ دَعْوَةَ كُلِّ رَسُولٍ لِقَوْمِهِ، )اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ( [الأعراف:59]، بَلْ جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ شِرْكاً فِي عِبَادَتِهِ وَشِرْكاً فِي حُكْمِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: )وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا( [الكهف:26] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ( [الشورى:21]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: )فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا( [الكهف:110]، كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّاعِي: الْعَمَلُ الْجَادُّ فِيمَا يُصْلِحُ رَعِيَّتَهُ وَيَدْفَعُ الْمَضَارَّ عَنْهُمْ، وَيُطَهِّرُ مُجْتَمَعَاتِهِمْ مِنَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى، وَمِنْ سَائِرِ الْمُوبِقَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ: كَالْخَمْرِ وَالْبِغَاءِ وَالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَغَيْرِهَا، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
عِبَادَ اللهِ:
وَمِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ وَالتَّحْذِيرُ وَالْحَذَرُ مِنْهُ: أَنَّ عَلَى مَنْ بَسَطَ اللهُ يَدَهُ وَجَعَلَ لَهُ سُلْطَةً وَوِلاَيَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُمْ وَيُحَافِظَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ، وَيَقْطَعَ شَأْفَةَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ: تِلْكَ السُّمُومُ الَّتِي تَقْذِفُ بِهَا بَعْضُ الْقَنَوَاتِ الإِعْلاَمِيَّةِ الْهَدَّامَةِ‍‍‍‍‍‍‍‍!! وَعَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ ذَلِكَ التَّرْكِيزُ الْخَبِيثُ عَلَى تَغْرِيبِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ فِي أَخْلاَقِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَغُدُوِّهِمْ وَرَوَاحِهِمْ وَبِخَاصَّةٍ إِخْرَاجَ الْمَرْأَةِ مِنْ عِفَّتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَحِجَابِهَا إِلَى أَحَطِّ دَرَكَاتِ السَّفَالَةِ، وَالتَّبَذُّلِ فِي شَتَّى وُجُوهِ الإِبَاحِيَّةِ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ بِأَنَّ تِلْكَ الْقَنَوَاتِ تَعْمَلُ جَاهِدَةً: عَلَى التَّشْكِيكِ فِي الاِعْتِقَادِ الإِسْلاَمِيِّ الْحَقِّ، وَالاِعْتِرَاضِ عَلَى أَحْكَامِ اللهِ الْمُحْكَمَةِ، وَالسُّخْرِيَةِ بِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ، وَالدَّعْوَةِ لِلإِبَاحِيَّةِ وَالاِنْسِلاَخِ مِنَ الدِّينِ، وَتَمْكِينِ الْمُنَافِقِينَ بِإِعْلاَنِ مَا يَحِيكُ فِي صُدُورِهِمْ، وَمُجَاهَرَةِ الْمُضِلِّينِ بِمَقَالاَتِ الْكُفْرِ وَالتَّشْكِيكِ وَالرِّدَّةِ عَنِ الدِّينِ، كُلُّ ذَلِكَ بِاسْمِ: حُرِّيَّةِ الْفِكْرِ!! الْمُنَاظَرَاتِ الْمُحَايِدَةِ!! وَمَعْرَفَةِ الرَّأْيِ الآخَرِ!! وَالْمَوْضُوعِيَّةِ!! قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، أَلاَ فَلْيَعْلَمْ أُولَئِكَ إِنْ كَانَ لَهُمْ عُقُولٌ وَيُحِبُّونَ لأَنْفُسِهِمُ النَّجَاةَ: أَنَّ مَنْ فَتَحَ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَضِيَ بِهِ فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: )قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة:65-66] وَقَوْلِ اللهِ جَلَّ شَأْنُهُ: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء:140] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ( [النور:19] قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فِي أَثْنَاءِ كَلاَمِهِ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: «وَهَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يُحِبُّ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَهُوَ ذَمٌّ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْفَاحِشَةِ أَوْ يُخْبِرُ بِهَا مَحَبَّةً لِوُقُوعِهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ: إِمَّا حَسَداً أَوْ بُغْضاً، وَإِمَّا مَحَبَّةً لِلْفَاحِشَةِ وَإِرَادَةً لَهَا، وَكِلاَهُمَا مَحَبَّةٌ لِلْفَاحِشَةِ وَبُغْضٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا، فَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ فِعْلَهَا ذَكَرَهَا» انْتَهَى كَلاَمُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّاعِي أَنْ يَسُوسَ رَعِيَّتَهُ بِالرِّفْقِ وَاللِّينِ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَإِيصَالِ الْخَيْرِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-].
كَمَا يَجِبُ الاِهْتِمَامُ بِمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِ السَّلِيمَةِ فِي جَمِيعِ أَطْوَارِهِ عَلَى مَنْهَجِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ صَالِحُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِلْزَامُ الرَّعِيَّةِ بِتَعَلُّمِ الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ الصَّافِيَةِ مِنْ شَوَائِبِ الاِنْحِرَافِ، وَتَعَلُّمِ سَائِرِ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَتَقْوِيَةِ مَنَاهِجِهَا فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ التَّعْلِيمِ مَعَ الاِهْتِمَامِ بِالْعُلُومِ الْعَصْرِيَّةِ الَّتِي تَنْفَعُ الأُمَّةَ وَتَزِيدُ مِنْ تَطَوُّرِهَا وَحَضَارَتِهَا.
كَمَا أَنَّهُ يَجْدُرُ بِحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أَنْ يُعِيدُوا لِبُيُوتِ اللهِ مَجْدَهَا وَعِزَّهَا وَوَظِيفَتَهَا فِي الإِسْلاَمِ، فَتُقَامَ فِيهَا الصَّلَوَاتُ، وَتُفْتَحَ حَلَقَاتُ الْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ لِلْعُلَمَاءِ الْمُصْلِحِينَ، لِيَعْمَلُوا عَلَى نَشْرِ الشَّرِيعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ: فَيَتَذَكَّرَ الْغَافِلُ، وَيَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ، وَيَتَّعِظَ الْعَاصِي، وَتَتَهَذَّبَ النُّفُوسُ، وَتُقْبِلَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهَا، وَيَحْصُلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ لِلأُمَّةِ طَالَمَا حُرِمَتْهُ زَمَناً طَوِيلاً.
تِلْكَ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الرَّاعِي لِرَعِيَّتِهِ .نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي لِرِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، فَإِنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لاَ تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ:
وَيَجْمُلُ بِنَا أَنْ نَسْتَعْرِضَ مَا هُوَ وَاجِبُ الرَّعِيَّةِ تُجَاهَ الرُّعَاةِ: فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِمَنْ قَادَهَا بِكِتَابِ رَبِّهَا وَسُنَّةِ نَبِيِّهَا، مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ؛ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ  r: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» [مُتَّفَقُ عَلَيْهِ].
وَعَنْهُ أَيْضاً t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ].
كَمَا يَجِبُ النُّصْحُ لَهُ، وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَالاِجْتِهَادُ فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ تَحْتَ رَايَةِ الإِسْلاَمِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ t أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ: قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَثَبَتَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «ثَلاَثُ خِصَالٍ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا [أَيْ: لاَ يَدْخُلُهُ حِقْدٌ يُزِيلُهُ عَنِ الْحَقِّ]: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ لِوَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، قَوْلُهُ: «وَأَحْسِنُوا مُؤَازَرَةَ مَنْ يَلِي أَمْرَكُمْ، وَأَعِينُوهُ، وَأَدُّوا إِلَيْهِ الأَمَانَةَ».
وَأَيْضاً عَلَى الرَّعِيَّةِ: الصَّبْرُ عَلَى الأَثَرَةِ، وَقَوْلُ كَلِمَةِ الْحَقِّ حَسَبَ الْقُدْرَةِ وَالطَّاقَةِ؛ فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» [مُتَّفَقُ عَلَيْهِ].
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ:
وَمِنْ حُقُوقِ الْوَالِي وَالرَّاِعي عَلَى الرَّعِيَّةِ: إِعَانَتُهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَإِعَانَتُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِالأَعْمَالِ الَّتِي نَاطَهَا اللهُ بِهِ، انْطِلاَقاً مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُلاَةِ: مَشْرُوعِيَّةُ مَحَبَّتِهِمْ مَحَبَّةً إِيمَانِيَّةً، فَنُحِبُّهُمْ للهِ – عَزَّ وَجَلَّ -، عَنْ عَوْفِ ابْنِ مَالِكٍ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ  وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
وَمِنْ حُقُوقِ الْوَالِي وَالرَّاعِي عَلَى الرَّعِيَّةِ: الذَّبُّ عَنْ عِرْضِهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
كَمَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ مِنَ الرُّعَاةِ وَالرَّعِيَّةِ: مُلاَزَمَةُ تَقْوَى اللهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَقْصِدُهُمُ الأَعْظَمُ هُوَ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ، وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهَا، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى «رَأْسِ مَالِهِمْ» جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ فِي عِصْيَانِهِمْ وَعَدَمِ تَطْبِيقِهِمْ لِشَرِيعَةِ رَبِّهِمْ وَتَنَكُّبِهِمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ: فِتْنَةٌ لِلْكَافِرِينَ فِي الإِصْرَارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلْيَدْعُ كُلُّ مُسْلِمٍ بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ )رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( [الممتحنة:5].
عِبَادَ اللهِ:
)إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( [الأحزاب:56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّكَ وَخَلِيلِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

إرسال تعليق

0 تعليقات